فصل: تفسير الآيات (93- 95):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (84):

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)}
قوله عز وجل: {وإلى مَدِين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبُدوا الله ما لكم من إله غيره} ومدين هم قوم شعيب، وفي تسميتهم بذلك قولان:
أحدهما: لأنهم بنو مدين بن إبراهيم، فقيل مدين والمراد بنو مدين، كما يقال مضر والمراد بنو مضر.
الثاني: أن مدين اسم مدينتهم فنسبوا إليها ثم اقتصر على اسم المدينة تخفيفاً.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنه اسم أعجمي.
الثاني: أنه اسم عربي وفي اشتقاقه وجهان:
أحدهما: أنه من قولهم مدن بالمكان إذا أقام فيه، والياء زائدة، وهذا قول من زعم أنه اسم مدينة.
الثاني: أنه مشتق من قولهم دَيَنْت أي ملكت والميم زائدمة، وهذا قول من زعم أنه اسم رجل. وأما شعيب فتصغير شعب وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه الطريق في الجبل.
الثاني: أنه القبيلة العظيمة.
الثالث: أنه مأخوذ من شَعْب الإناء المكسور.
{ولا تنقصوا المكيال والميزان} كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف فأمروا بالإيمان إقلاعاً عن الشرك، وبالوفاء نهياً عن التطفيف.
{إني أراكم بخير} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه رخص السعر، قاله ابن عباس والحسن. الثاني: أنه المال وزينة الدنيا، قال قتادة وابن زيد. ويحتمل تأويلاً ثالثاً: أنه الخصب والكسب.
{إني أخافُ عليكم عذاب يومٍ محيط} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: غلاء السعر، وهو مقتضى قول ابن عباس والحسن. الثاني: عذاب الاستصال في الدنيا.
الثالث: عذاب النار بالآخرة.

.تفسير الآيات (85- 86):

{وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)}
قوله عز وجل: {بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين} فيها ستة أقاويل:
أحدها: يعني طاعة الله تعالى خير لكم، قاله مجاهد.
الثاني: وصية من الله، قاله الربيع.
الثالث: رحمة الله، قاله ابن زيد.
الرابع: حظكم من ربكم خير لكم، قاله قتادة.
الخامس: رزق الله خير لكم، قاله ابن عباس.
السادس: ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان خير لكم، قاله ابن جرير الطبري.
{وما أنا عليكم بحفيظ} يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: حفيظ من عذاب الله تعالى أن ينالكم.
الثاني: حفيظ لنعم الله تعالى أن تزول عنكم.
الثالث: حفيظ من البخس والتطفيف إن لم تطيعوا فيه ربكم.

.تفسير الآية رقم (87):

{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)}
قوله عز وجل: {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} في {صلاتك} ثلاثة أوجه:
أحدها: قراءتك، قاله الأعمش.
الثاني: صلاتك التي تصليها لله تعبّداً.
الثالث: دينك الذي تدين به وأمرت باتباعه لأن أصل الصلاة الاتباع، ومنه أخذ المصلي في الخيل. {تأمرك} فيه وجهان:
أحدهما: تدعوك إلى أمرنا.
الثاني: فيها أن تأمرنا أن نترك ما يعبد آباؤنا يعني من الأوثان والأصنام.
{أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: ما كانوا عليه من البخس والتطفيف.
الثاني: الزكاة، كان يأمرهم بها فيمتنعون منها، قاله زيد بن أسلم وسفيان الثوري.
الثالث: قطع الدراهم والدنانير لأنه كان ينهاهم عنه، قال زيد بن أسلم. {إنك لأنت الحليم الرشيد} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم قالوا ذلك استهزاء به، قاله قتادة.
الثاني: معناه أنك لست بحليم ولا رشيد على وجه النفي، قاله ابن عباس.
الثالث: أنهم اعترفوا له بالحلم والرشد على وجه والحقيقة وقالوا أنت حليم رشيد فلِم تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ والحلم والرشد لا يقتضي منع المالك من فعل ما يشاء في ماله، قال ابن بحر.

.تفسير الآية رقم (88):

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}
قوله عز وجل: {قال يا قوم أرأيتُم إن كُنتُ على بيِّنةٍ من ربي} قد ذكرنا تأويله. {ورزقني منه رِزقاً حسناً} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه المال الحلال، قاله الضحاك.
قال ابن عباس وكان شعيب كثير المال.
الثاني: أنه النبوة، ذكره ابن عيسى، وفي الكلام محذوف وتقديره، أفأعدل مع ذلك عن عبادته.
ثم قال: {وما أريدُ أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} أي لا أفعل ما نهيتكم عنه كما لا أترك ما أمرتكم به.
{إنْ أريد إلا الإصلاح ما استطعت} ومعناه ما أريد إلا فعل الصلاح ما استطعت، لأن الاستطاعة من شرط الفعل دون الإرادة.
{وما توفيقي إلا بالله عليه توكلْتُ وإليه أُنيب} فيه وجهان:
أحدهما: أنّ الإنابة الرجوع ومعناه وإليه أرجع، قاله مجاهد.
الثاني: أن الإنابة الدعاء، ومعناه وإليه أدعو، عبيد الله بن يعلى.

.تفسير الآيات (89- 90):

{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}
قوله عز وجل: {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي} في {يجرمنكم} تأويلان:
أحدهما: معناه لا يحملنكم، قاله الحسن وقتادة.
والثاني: معناه لا يكسبنكم، قاله الزجاج.
وفي قوله {شقاقي} ثلاثة تأويلات:
أحدها: إضراري، قاله الحسن.
الثاني: عداوتي، قاله السدي ومنه قول الأخطل:
ألا من مبلغ قيساً رسولاً ** فكيف وجدتم طعمَ الشقاق

الثالث: فراقي، قاله قتادة.
{أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوحٍ} وهم أول أمة أهلكوا بالعذاب.
{أو قوم هودٍ أو قوم صالحٍ وما قوم لوطٍ منكم ببعيدٍ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني بعد الدار لقربهم منهم، قاله قتادة.
الثاني: بعد العهد لقرب الزمان.
ويحتمل أن يكون مراداً به قرب الدار وقرب العهد.
وقد أهلك قوم هود بالريح العاصف، وقوم صالح بالرجفة والصيحة، وقوم لوط بالرجم.

.تفسير الآيات (91- 92):

{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)}
قوله عز وجل: {قالوا يا شعيبُ ما نفقهُ كثيراً مما تقول} أي ما نفهم، ومنه سمي عِلم الدين فقهاً لأنه مفهوم، وفيه وجهان:
أحدهما: ما نفقه صحة ما تقول من العبث والجزاء.
الثاني: أنهم قالوا ذلك إعراضاً عن سماعه واحتقاراً لكلامه.
{وإنا لنراك ضعيفاً} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: ضعيف البصر، قاله سفيان.
الثاني: ضعيف البدن، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أعمى، قاله سعيد بن جبير وقتادة.
الرابع: قليل المعرفة وحيداً، قاله السدي.
الخامس: ذليلاً مهيناً، قاله الحسن.
السادس: قليل العقل.
السابع: قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.
{ولولا رهطك} فيه وجهان:
أحدهما: عشيرتك، وهو قول الجمهور.
الثاني: لولا شيعتك، حكاه النقاش.
{لرجمناك} فيه وجهان: أحدهما: لقتلناك بالرجم.
الثاني: لشتمناك بالكلام، ومنه قول الجعدي.
تراجمنا بمُرِّ القول حتى ** نصير كأننا فَرسَا رِهان

{وما أنت علينا بعزيز} فيه وجهان:
أحدهما: بكريم.
الثاني: بممتنع لولا رهطك.
قوله عز وجل: {قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله} أي تراعون رهطي فيّ ولا تراعون الله فيّ.
{واتخذتموه وراءَكم ظهرياً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: اطرحتم أمره وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تعملون به، قاله السدي، ومنه قول الشاعر:
........ ** وجَدْنا بني البرصاءِ من وَلَدِ الظّهْرِ

أي ممن لا يلتفت إليهم ولا يعتد بهم.
الثاني: يعني أنكم حملتم أوزار مخالفته على ظهوركم، قاله السدي، من قولهم حملت فلاناً على ظهري اذا أظهرت عناده.
الثالث: يعني أنكم جعلتم الله ظهرياً إن احتجتم استعنتم به، وإن اكتفيتم تركتموه. كالذي يتخذه الجمَّال من جماله ظهرياً إن احتاج إليها حمل عليها وإن استغنى عنها تركها، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الرابع: إن الله تعالى جعلهم وراء ظهورهم ظهرياً، قاله مجاهد.
{إنّ ربي بما تعملون محيط} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: حفيظ.
الثاني: خبير.
الثالث: مُجَازٍ.

.تفسير الآيات (93- 95):

{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)}
قوله عز وجل: {ويا قوم اعملوا على مكانتكم} فيه وجهان:
أحدهما: على ناحيتكم، قاله ابن عباس.
الثاني: على تمكنكم، قاله ابن عيسى.
وقوله {اعملوا} يريد ما وعدوه من إهلاكه، قال ذلك ثقة بربة.
ثم قال جواباً لهم فيه تهديد ووعيد {إني عاملٌ سوف تعلمون} فيه وجهان: أحدهما: تعلمون الإجابة. الثاني: عامل في أمر من يأتي بهلاككم ليطهر الأرض منكم، وسترون حلول العذاب بكم.
{من يأتيه عذابٌ يخزيه} قال عكرمة: الغرق.
وفي {يخزيه} وجهان:
أحدهما: يذله.
الثاني: يفضحه.
{ومن هو كاذب} فيه مضمر محذوف تقديره: ومن هو كاذب يخزى بعذاب الله، فحذفه اكتفاء بفحوى الكلام.
{وارتقبوا} أي انتظروا العذاب.
{إني معكم رقيب} يحتمل وجهين:
أحدهما: إني معكم شاهد.
الثاني: إني معكم كفيل.
وفيه وجه ثالث: إني منتظر، قاله الكلبي.